إعادة السياق للأرشيف السمعي البصري بين الإبداع الدرامي وتوثيق الذاكرة: المسلسل المصري الاختيار 3 نموذجا

يرتبط مفهوم الأرشيف والممارسات الأرشيفية ارتباطًا وثيقًا ببناء المعرفة التاريخية والذاكرة الجمعية، حيث اعتمد المؤرخون على الوثائق المكتوبة والشفوية كمصادر لتوثيق الأحداث وتسجيل الذاكرة. ظهرت مع مطلع التسعينيات اهتمامات بحثية جديدة تبحث في العلاقة بين الأرشيف والفنون المسرحية، خصوصًا في السينما والدراما مما جعلها منافسًا للكتابة التاريخية التقليدية. أثارت هذه العلاقة اهتمام العديد من الباحثين والمهنيين بالمجتمعات الغربية والذين بدأوا في تحليل تأثير إعادة توظيف الوثائق الأرشيفية السمعية البصرية على سرديات التاريخ والذاكرة، كما حاولوا وضع جميع الأساليب والممارسات المنتشرة بين المخرجين السينمائيين ضمن قالب نظري يراعي قواعد ومبادئ علم الأرشيف ولعل من أهم المقاربات النظرية المقدمة هي " إعادة السياق " Recontextualisation.
تهدف هذه الدراسة إلى إبراز المفاهيم، والخصائص، والمكونات التي تقوم عليها مقاربة " إعادة السياق "، والأشكال التي تتخذها هذه المقاربة ضمن الأعمال الفنية والتلفزيونية المقدمة، لنقوم بإسقاطها على أحد الدول العربية الرائدة في مجال الإنتاج الدرامي وهي مصر، حيث تحظى الأعمال الدرامية المصرية برواج وشعبية كبيرتين بين الدول العربية، مما يجعل استخلاص عناصر إعادة السياق قريب ومفهوم لدى باقي المجتمعات. وقع اختيارنا بهذه الدراسة على مسلسل " الاختيار 3 " باعتباره نموذج بارز لاستخدام الأرشيف السمعي البصري في الدراما، حيث اعتمد المخرج على مجموعة متنوعة من المواد الأرشيفية لتوثيق فترة حرجة من تاريخ مصر بين عامي 2012 و2013. يُساعد هذا النموذج المدروس في توضيح إمكانيات الأرشيف السمعي البصري في توثيق الذاكرة الجمعية، ويعزز دوره كوسيلة منافسة للكتابة التاريخية في المجتمعات العربية.